فلسفة النبي محمد -صلي الله عليه، وسلّم!- في 3 مارس 2017، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

بسم الله الرحمن الرحيم
“والضحى والليل إذا سجى ما ودّعك ربك وما قلى”ØŒ
الحمد لله رب العالمين!

لمحة عن تاريخ الفكرة الإسلامية
في البدء صنع الله آدم في الملأ الأعلى من تراب وماء، ثم أمر الملائكة بالسجود له، وكان من بين الملائكة أو على رأسهم إبليس الذي رفض بإصرار عجيب تنفيذ الأمر الإلهي ولم يسجد لآدم واحتقره! لقد كان اعتراض إبليس على تنفيذ الأمر بالسجود يتلخص في كونه من الجن وأنّ الجن كائنات مخلوقة من النار وآدم المأمور له بالسجود مخلوق من طين، وهو يرى أن النار أفضل من الطين؛ لذا كان يرى أنّ سجوده وهو من النار لآدم الذي من الطّين إهانة كبيرة له وترخّص غير مقبول! ويمكننا القول إن خطيئة إبليس تتلخص في كونه قاس وجوده بوجود آدم في حضرة الوجود الأعظم، لأنه في الحضرة العليّة، في وجود الله تتلاشى كل الموجودات، وتنعدم كل الذوات إلا وجود الله وذاته العليّة، سبحانه، وتعالى! إن السجود لآدم كان يعني لإبليس فقدانه تلك الحظوة والمكانة التي كان ينعم بها في الملأ الأعلى أو على أقل تقدير الانتقاص منها، لكن حقيقة الأمر أن السجود لآدم لم يكن لذات آدم ولم يكن لتعظيمه، بل كان تعظيما وإجلالا وتوقيرا ومهابة لحالة انتقال الروح من الذات العليّة إلى الذات الدنيّة، أو إنّه سجود شهادة تقدير وتعظيم وإجلال لقدرة الله المطلقة وبراعته التي تظهر واضحة جليّة في خلق آدم. لم تستطع نفس إبليس التراجع بعدما أدرك أن ما حدث كان اختبارًا من الله ليكشف به حقيقة نفسه المتعالية، واختار قدر نفسه بنفسه!
إن الحرب بين الله وأهل الكبر والاستعلاء قديمة منذ أن خلق الله المخلوقين المختارين حتى يوم القيامة، وهي بالأساس حرب سياسيّة عسكريّة اقتصاديّة أكثر منها فكريّة أو ثقافيّه أو اجتماعيّة. أرسل الله الأنبياء إلى الناس ليصحح لهم فهمهم عن أنفسهم وعن الوجود الذي من حولهم ولتكون حياتهم أفضل، كما أرسل الله النبي محمدًا -صلى الله عليه، وسلم!- وأمره بتبليغ رسالته إلى أهله ثم الأقرب فالأقرب من الناس. أدرك سادة قريش معنى ومضمون ومفهوم ومقتضى الإيمان بالرسالة المحمديّة؛ فحاربوها من فورهم.
الإسلام الدين والدولة
إن التفاف كفار مكة حول أصنامهم كان للتمسك بمقومات المجتمع المكّي السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة السائدة ومكانتهم المتميزة فيها وللمحافظة على ما هم عليه من مكتسبات. إنهم لا يريدون أن يتحولوا مع محمد ودينه الجديد إلى مواطنين عاديّين أو تلاميذ في مدرسته، ولا يرغبون في كفاح جديد لاختيار نخب جديدة بمقومات ثقافيّة وفكريّة جديدة؛ فليست المشكلة أن الدين الجديد سيجعل من محمد سيدا لقريش فقط، بل أنه سيجعل أصحابه وأتباعه والمقربّين منه هم السادة الجدد أيضا، فتطرد به النخب القديمة، أو تنزع عنهم إرادتهم المطلقة في فعل أي شيء يمكنهم فعله؛ لذا سعى سادة قريش في بداية الدعوة الإسلاميّة إلى رشوة النبي محمد لصرفه عن دعوته الجديدة، فعرضوا عليه أن يكون أكثرهم مالا وشرفا ورئاسة، وأنه إن شاء جعلوه ملكا على قريش ومكة، على أن ينتهي عن سعيه إلى تغيير النظام المكّي السياسي والاقتصادي ثم الثقافي والاجتماعي والديني الذي اتخذ من الأصنام واجهة تعبر عنه وستارًا يختفي وراءه؛ إذ رأوا التراجع خطوة و احدة أفضل من أن تنتهي مكتسباتهم كلها إلى الأبد حال نجاح محمد في نشر دعوته الجديدة. وعندما فشلت الإغراءات جاء دور التهديد والعقاب؛ فكان حصار الشِّعْب، ثم حصار البيت، وكانت مطاردتهم له ليمنعوه من الوصول إلى المدينة المنوّرة (يثرب).
إن الدين يحتاج إلى دولة تحميه وترعاه، وإن الدولة تحتاج إلى الدين الذي يشكل في وجدانها القيم العليا الضابطة لسلوكها. إنّ الدين والدولة كلاهما يحتاج إلى الآخر ليبقى، ولكي ينتشر الدين كان لزاما على النبي محمد أنّ ينشئ الدولة؛ فكانت دولة الإسلام بالمدينة المنوّرة (يثرب). ومن نافلة القول أن القرية هي ذلك المكان والتجمع الإنساني الذي يجد فيه الإنسان كل احتياجاته من ماء وطعام فيستقر فيها ولا يحتاج إلى الانتقال إلى غيرها. وكانت يثرب قرية من أهم قرى الجزيرة العربيّة. وبرغم أنّ مكّة ليست في الحقيقة قرية منتجة تحتاج إلى ما حولها لتبقى وتستمر، سماها الله سمّاها قرية بل “أمّ القرى”ØŒ لأنّه فيها يتحقق الاستقرار الروحي لكل زوّارها وسكّانها. والمدينة هي ذلك المكان والتجمع الانساني الذي يجلب إليه كل احتياجاته من خارجه؛ فهو من Ø«ÙŽÙ…ÙŽÙ‘ مَدِين لغيره ببقائه. وعادة ما تجد أهلها يشتغلون بالتجارة والصناعة وعادة ما تجد بها حصنًا؛ لذلك تحولت يثرب من قرية إلى مدينة؛ فإنّها مدينة لمكّة بنور حضرة النبي محمد الذي أعلى من شأنها بين بلاد الدنيا ومدنها وقراها!
أراد النبي محمد -صلى الله عليه، وسلم!- منذ يومه الأول بالمدينة المنوّرة، أن يرسي دعائم دولة العلم والإيمان والدستور والقانون وأن يطرد أفكار الهرطقة والخرافة من أذهان أتباعه من المسلمين. أخذ النبي محمد من أتباعه البيعة والعهد بالولاء والانتماء للدين الجديد، والانتماء و الولاء للدولة الناشئة أيضا. وكان مما تضمّنته بنود البيعة التي أخذها النبي عليهم:
أولا حق الله
ويتلخّص في الإيمان بالله وعدم الشرك به وتحطيم الأوثان التي تمثل رمز الحماقة والهرطقة والبدع والخضوع لغير الله، والعمل على إخراجها من القلوب والعقول قبل تحطيمها وإزاله أحجارها.
ثانيا حق الفرد وواجباته
وذلك بتحريم السرقة والزنا والبهتان وتحريم القتل والغيلة وشهادة الزور والغش التجاري وخيانة الأمانة، وأن يلتزم المسلم الصدق وقول الحق -ولو على نفسه أو أهله وذويه- والحض على مكارم الأخلاق؛ فقد قال النبي لأصحابه: “”والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق”!
ثالثا حق المجتمع
وأهم مظاهره المساواة؛ فالناس أمام القانون سواء، متساوون كأسنان المشط، قال النبي لأصحابه: “لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”Ø› فحقّق النبي بذلك تماسك المجتمع المدني على رغم تنوعه، ونشر السلام الاجتماعي.
وكان دستور المدينة الذي يعد سابقة تشريعيّة دستورية في تاريخ الإنسانية الحديث والقديم، يوضّح الإطار العام للحقوق والواجبات للأفراد والجماعات في الدولة الناشئة. ومما جاء فيه:
– أن المؤمنين المتّقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى إثما أو عدوانا أو فسادا بين المؤمنين،
– وأن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم،
– أن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم،
– وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم،
– وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم،
– وأنه من خرج آمن ومن قعد بالمدينة آمن، إلاّ من ظلم أو أثم،
– وأن الله جار لمن برّ واتقى.
فكما علّم رسول الله المسلمين كيفية التواصل مع السماء بإقامة الشّعائر الدينية من الصلاة والصيام والحج والذكر، علّمهم كذلك كيفيه التفاعل في الأرض من خلال العبادة بمفهومها الأشمل، التي هي كل عمل صالح قصد به وجه الله. ولتحقيق السلام الاجتماعي بين طبقات المجتمع الإسلامي كان تشريع الزكاة، Ùˆ هي أموال تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء وفي أوجه المنافع العامة الأخرى للدولة. وجعلت الجنّة في الآخرة هي الثواب والجزاء المنتظر لكل من يصدق في الوفاء ببنود هذه البيعة الكريمة وسلك هذا المسلك الحضاري الشريف. إن الجّنة هي الثواب الجميل لقاء تحمّل المسلم مشاق طاعة الله في الحياة الدنيا. يعيب غير المسلمين على الإسلام ذلك المفهوم، كون الجنة الموعودة ماديّة، وأنه لا يليق ولا يستحسن أن تكون ثواب طاعة الله ومحبته! وقد تجاهلوا بذلك قاعدة كليّة تنص على أنّ الجزاء من جنس العمل، وأن الإنسان في آخرته امتداد لما كان عليه واختاره لنفسه في دنياه؛ فمن تغلبّت عليه ماديّته في حياته الدنيا وصبر على طاعه الله مع ذلك، جوزي بمثلها جنّات فيها طعام وشراب Ùˆ… ومن غلبت عليه محبّة الله زِيدَ له أن يرى جمال قدر الله. وأما من بلغ في محبّته المدى كان ثوابه دوام النظر إلى ذات الله، تعالى، والله أعلم!
ولاسترداد بعض من أموال المسلمين المهاجرين المحتجزة لدى قريش، عقد رسول الله لواء أبيض لحمزه بن عبد المطلب للقبض على عير قريش القادمة من الشام، فكانت غزوة بدر الصغرى، لكن المحاولة فشلت! أرادت قريش تأديب المسلمين على تجرئهم هذا، فجمعوا جيشا لمحاربتهم، فكانت غزوة بدر الكبرى، وانتصر المسلمون، قال الله: “ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلّة فاتقوا الله لعلكم تشكرون”. كان من قريش أسرى، فلم يقتلهم النبي كما هو متعارف عليه بين المتحاربين حينها، لكنه عرض عليهم عرضا سخيّا، أنّه من استطاع أن يفتدي نفسه بمال ويطلق سراحه فعل، ومن لا يمكنه دفع الفدية ويمكنه أن يعلّم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة فإن ذلك يكفي لإطلاق سراحه. أراد النبي بذلك أن يعلّمنا قيمة العلم والتعلّم، كما بدا كأنّه كان يريد أيضا أن يبقي على بقيّة من عاطفة بينه وبين قريش بمحافظته على أرواح أسراها. لكن لم تتقبّل قريش الهزيمة في بدر، فأعدّوا العدة، وجهزوا جيشا لحرب النبي والذين معه، فكانت معركة جبل أحد التي انتهت بخسارة المسلمين!
محمد واليهود
عايش رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- اليهود بالمدينة، وتكوّنت لديه قناعة بأنه لن تستقيم بهم العلاقة الفكريّة والثقافيّة، لعنصريّتهم القاسيّة؛ فتطلّعت نفسه إلى أن يجعل الله للمسلمين قبلة لصلاتهم غير قبلة اليهود التي كانت إلى بيت المقدس، فقبل الله رجاء النبي محمد، ووجهه إلى الكعبة البيت الحرام قبلة أبيه إبراهيم، فكان هذا الاستقلال الثقافي مبشرا بفك الارتباط السياسي.
قدم نفر من اليهود على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله، وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله. ولما علم النبي بقدومهم شاور المسلمين، فأشار سلمان الفارسي عليه بضرب خندق حول المدينة. أقبلت قريش في عشرة آلاف، ونقضت يهود بني قريظة عهدها مع النبي، وانضموا إلى الأحزاب التي تحزّبت على المسلمين، فكانت حربا فاصلة بين دولة محمد والإسلام فكرا وعقيدة وشريعة ومنهج حياة من جهة، ودولة الأصنام والمنتفعين بها من قريش ويهود والقبائل البدويّة المتحالفة معهم من جهة أخرى. وانتصر الفكر، وانتصرت الثقافة، وانتصر العقل، قال الله -تعالى!-: “يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا”. أخذ النبي في دعوة اليهود إلى الإسلام، لكن دعوته لم تلق قبولا منهم، وتعاظمت كراهيتهم له -صلى الله عليه، وسلم!- حتى أصبحت مؤامرات وغدرات ثم عداوات وحروبا، فحارب النبي قبائل اليهود كلها الواحدة تلو الأخرى، وأخرجهم من المدينة. لم يسلم النبي يوما منذ أن دخل المدينة من أذى اليهود ومكايدهم وحقدهم وخيانتهم، وأصبحوا خنجرًا في ظهره وأعوانًا عليه لكل أعدائه، فخرج النبي -صلى الله عليه، وسلم!- في المحرم من سنة سبع، إلى قتال يهود خيبر. قال النبي: “لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه وليس بفرار”Ø› فكان علي بن أبي طالب، رضي الله عنه! فخرج بها، وفتح به النبي حصون خيبر الواحد تلو الآخر. صالح رسول الله أهل خيبر على أن يرحلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة). قالوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها؛ فأعطاهم ما طلبوا على أن لهم الشّطر من كل زرع. وأخرجهم عمر بن الخطاب في عهده، فلمّا بلغت يهود تيماء الأخبار صالحوا رسول الله على الجزية.
عالمية الفكرة الإسلامية
جمع النبي الناس، وقام فيهم خطيبا، فحمد الله، ثم قال: أما بعد؛ فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم؛ فلا تختلفوا عليّ كما اختلف بنو إسرائيل على عيسي بن مريم! فقال المهاجرون: يا رسول الله، إنا لا نختلف عليك في شيء أبدا؛ فمرنا، وابعثنا! أرسل النبي شجاع بن وهب إلى كسرى فارس،
يدعوه إلى الإسلام، فمزّق كسرى كتاب رسول الله؛ فدعا عليه رسول الله أن يمزّق الله ملكه، فكان! وأرسل دحية الكلبي إلى قيصر الروم، يدعوه إلى الإسلام، فقال له أعلم أنه نبي ولكن لا أستطيع أن أفعل فإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم! وأرسل إلى المنذر بن الحارث صاحب دمشق، يدعوه إلى الإسلام، فقال المنذر: من ينتزع منّي ملكي! إنّي سأسير إليه، يعني أنه سيحارب النبي! وأرسل النبي حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية يدعوه إلى الإسلام، فقبّل المقوقس كتاب رسول الله، وأكرم حاطبًا، وأهدى إلى النبي كسوة وبغلة وجاريتين، وإكراما من النبي الكريم لمصر وأهلها تزوّج إحداهما السيدة مارية القبطيّة، وأولدها ابنه إبراهيم.
لا بد لنا أن نقرّ بأنه كلّما اتسعت الدولة زادت كلفة تأمينها، ولزم ضمان ولاء دول الجوار أو على الأقل عدم قدرتهم على اجتياحها. لمّا انتشر خبر النبي ودعوته في الآفاق، وعلم به كسرى وقيصر- استشعرت القوّتان العظميان عندئذ (فارس والروم)، هذا الخطر الداهم على بلادهما من الدعوة الإسلامية، كما استشعر المسلمون كذلك الخوف والخطر من هاتين الدولتين؛ فها هو كسرى ملك فارس يرسل إلى عامله على اليمن يأمره بأن يأتي له بمحمد، فأرسل عامل كسرى رسولا إلى النبي محمد يطلب منه المثول أمام كسرى، فأشفق عليه النبي، وقال له اذهب فإن كسرى قد مات! وكان الخطر الروماني القريب المنزل يعد هاجسًا مقلقًا ومخيفًا للمسلمين في المدينة، حتى إن الرجل كان يطرق باب الرجل، فيرد فزعا: هل جاء الروم؟ فبعث النبي -صلى الله عليه، وسلم!- بعثة مؤتة سنة ثمان، واستعمل عليها زيد بن حارثة في ثلاثة آلاف مقاتل ضربةً استباقية لمنع الخطر الرومي عن المدينة وأهلها والدعوة الإسلامية وفكرتها، فمضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام، وبلغهم أن هرقل قدم إليهم في مئة ألف مقاتل، وانضمت إليه قبائل عربية، وأرادوا أن يرسلوا إلى رسول الله بعدد الروم يطلبون المدد، لكنّهم تشجّعوا وتقدموا للحرب ولم يحققوا نصرا، وبصعوبة نجح المسلمون في التخلص من هذه المحنة، وعادوا إلى المدينة.
خرج النبي محمد -صلى الله عليه، وسلم!- إلى مكة لأداء العمرة ومعه أربع عشرة مئة من المهاجرين والأنصار وقليل من الأعراب. ربما أراد النبيّ من هذا العمل أن يتألّف قلوب أهله في مكة. وبعث بعثمان بن عفان إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، بل جاء زائرا للبيت معظما لحرمته. ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى النبي ليعقد معه اتفاق هدنة، فكان فيه:
1) وضع الحرب عن الناس (بين قريش بمكة ومحمد بالمدينة)، عشر سنين، يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض.
2) من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريش ممن مع محمد لم يردوه عليه.
3) من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل. فتواثبت خزاعة، وقالوا: نحن في عقد محمد. وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم.
4) أن يرجع النبي عامه هذا فلا يدخل عليهم مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجوا عنها ليدخلها بأصحابه، فيقيموا بها ثلاثا معهم سلاح الراكب السيوف في القرب لا يدخلون بغيرها!
تجمّع المسلمون الخارجون من قريش بعد هذا الصلح على ساحل البحر، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بهم، فما يسمعون بعير لقريش إلا اعترضوها؛ فأرسلت قريش تناشد النبي أن من أتاه فهو آمن، فأرسل النبي إليهم يضمهم إليه.
فتح مكّة
ممّا كان في صلح الحديبية بين النبي محمد وقريش أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، فدخلت فيه قبيله خزاعة- ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فدخلت فيه قبيله بني بكر؛ فحدث أن هاجمت بنو بكر خزاعة ليلا، وخانت قريش عهدها واتفاقها مع رسول الله، وأعانت بني بكر بالسلاح، وقاتلت معهم، ولم تستطع قوى الكبر والاستعلاء والعنصريّة الثبات على العهود والمواثيق، فخانوها، وكانت الحرب، وكان الفتح، فخرج النبي في العاشر من رمضان لفتح مكة في عشرة آلاف من المسلمين وقد عمّيت الأخبار عن قريش ولا يدرون ما رسول الله فاعل. دخل رسول الله مكة متخشّعا عليه عمامة سوداء وكان لواؤه أبيض. أمّن النبي الناس، وجاء البيت، فطاف به، وقال: لا إله الا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده! وأزال الاصنام، و أمر بلالً، فصعد ظهر الكعبة، وأذن بالصلاة. لم يرد رسول الله والذين آمنوا معه أن يجعلوا من فتح مكة حمام دم ينتقمون فيه من خصومهم الذين لم يألوا جهدا عبر أعوام طويلة في إيذائهم و الإضرار بهم، بل جعلوه فتحا ثقافيّا وحضاريّا سجّله التاريخ لمحمد والذين آمنوا معه. دلّل سلوك المسلمين الحضاري والإنساني الراقي في فتح مكة، على مدى ثقل وعمق وعظمة المعاني التي يؤمنون بها ويعتنقونها. لم تكن الأصنام عملا فنيّا ثقافيّا إبداعيّا كما هو الشعر والنثر العربي، بل كانت رمزا لسيادة الكبر والاستعلاء والطبقيّة وإهانة العقل والفكر وإهدار حقوق الإنسان. لقد كان لكل قبيلة صنم داخل الكعبة أو حولها، وذلك لتأكيد شرعية وقداسة الصنم الإله، ومن خلال شرعية الوثن تكون شرعية السادة حكّام القبائل، فكان لزاما لإقرار سيادة الدولة الجديدة (دولة الإسلام)، إزالة سيادة دولة الأوثان والأصنام. جلس النبي -صلى الله عليه، وسلم!- على الصفا ليبايعه الناس ولإقرار سيادة الدولة الجديدة، فأخذ على الناس السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، فلمّا فرغ من بيعة الرجال بايع النساء. قال النبي: بايعنني على ألا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان ولا تعصينني في معروف! تمحورت نصوص البيعة كما ذكر آنفا على حق الله في توحيده وعدم الإشراك به وحقوق الفرد والمجتمع والدولة، وذلك بنشر مكارم الأخلاق واحترام سيادة القانون. فإن كان النبي قد حطّم دولة الأصنام والأوثان والطغيان فإنه قد أقام أيضا وأحيا وأبقى دولة القانون واحترام الإنسان وإثراء القيم الأخلاقية العليا ومكارم الأخلاق.
لما سمعت قبيلة هوازن بفتح المسلمين لمكة، جمعها ملكها مالك بن عوف لقتال المسلمين، واجتمعت إليه قبائل ثقيف ونضر وجشم وسعد وبعض بني هلال، فلم يكن أمام قبائل العرب بعد فتح المسلمين لمكة وهي العاصمة الثقافيّة للجزيرة العربية كلها، إلا أن يجتمعوا لحرب محمد والقضاء عليه وعلى دولته وإيقاف زحفه الثقافي والعسكري والقضاء على الفكرة الإسلامية برمتها. خرج رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- إلى لقاء هوازن ومعه جمع من قريش لم يزالوا على الكفر؛ فقد حرص النّبي بذلك على استيعاب كل مواطني دولته حتى من رأى أن الكفر بالله خير له من الإيمان به ! قال الله: “لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا”. أمر الله أن يُمنع المشركون من المسجد الحرام في الحج وغيره، فانقطع التواصل بين عراقة وقداسة البيت الحرام وعبثيّة الأوثان والمنتفعين من ورائها.
مكث رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذّن في الناس أن رسول الله حاج هذا العام؛ فنزل المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله. خرج رسول الله حتى إذا دخل مكة ورأى البيت، رفع يده، وكبّر، وقال: اللّهم، أنت السلام، ومنك السلام؛ فحيّنا ربنا بالسلام، اللّهم، زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا! خطب النبي يوم عرفة، فكان ممّا قال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث -كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل- وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوع كله. اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنّ بأمانه الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه؛ فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرّح ولهن عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف! وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أبدا -إن اعتصمتم به- كتاب الله. وأنتم تسألون عني؛ فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وأدّيت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء: اللّهم اشهد، اللّهم اشهد، اللّهم اشهد!
إن أناسا كان هذا فكرهم وكانت هذه ثقافتهم وأخلاقهم التي يتعاملون بها ويعاملون غيرهم وكان هذا تواضع وبساطة وإخلاص نبيهم، كان حقا لهم أن يسودوا الدنيا ما داموا مستمسكين بهذه المبادئ وبهذه الأخلاق! لم يفرّق الإسلام في الاهتمام بين حق الله وحق الفرد وحق المجتمع -وإن كان حق الله هو الأول في الأداء- فكل الحقوق مصونة، ولا يكتمل إيمان المرء إلا إذا أعطى كل ذي حق حقه؛ فإقامة الصلاة وأداء الشعائر الدينية لا تغني عن الأمانة أو التعاون على البر والتقوى. لقد كان النبي مع قريش في حربه وسلمه مثالا للصدق والوفاء بالعود والأمانة والمسالمة.
لمحة عن حياة النبي محمد
إنّ المتأمّل لحياة النبي الشخصيّة يجد أنّها تعتمد على ثلاث دعائم رئيسيّة:
الأولى عمّه أبو طالب
ولد النبي محمد يتيما لم ير أباه، وماتت أمّه وهو صغير؛ فلم يتعلم ما يجب أن يتعلمه الطفل والشاب من أمّه وأبيه. كان عبد المطّلب جد النبي يعطف عليه إلى حد التدليل حتى يعوّضه بعض ما فقده بموت أبيه، لكن لم يلبث أن مات، فانتقل محمد إلى دار عمّه أبي طالب سيد قريش وكان فقيرا كثير العيال، لكنه كان يحب محمدا حبا غريبا ويحنو عليه حنوا شديدا. كان يؤثره علي بنيه الذين من صلبه، ويهتم كثيرا بتعليمه ما يجب أن يتعلمه الفتى القرشي من فنون التجارة والسفر ومعاملة الناس بأكثر ما يعلّم الأب الناصح ابنه الأثير. انتقل هذا الحب الشديد لمحمد إلى كل أفراد العائلة الهاشميّة. والعجيب أنّ بني هاشم لم يؤمن منهم أحد بنبوّة محمد إلا طفلا صغيرا في الخامسة أو نحوها، هو ابن عمّه علي بن أبي طالب، ورجلا آخر أسلم عنادا لقريش هو عمّه حمزة بن عبد المطّلب! وبرغم ذلك كان بنو هاشم على استعداد لأن يموتوا جميعا دفاعا عن محمد! وبموت أبي طالب فقد النبي محمّد ركنا من أهم أركان حياته.
الثانية صديقه أبو بكر
كانت صداقه النبي لأبي بكر هديّة الأقدار له؛ فقد من شهد معه المشاهد كلّها، وبقي معه لم يفارقه قطُّ حتى آخر حياته، فكان نعم السند والمعين والناصح الأمين، رضي الله عنه!
الثالثة زوجته خديجة بنت خويلد
كانت النساء أجمل وأسعد شيء في حياة النبي محمد؛ فقد كان -صلى الله عليه، وسلم!- موفّقا إلى حد بعيد مع النساء اللاتي جعلهن القدر في مسير حياته؛ فمرضعته حليمة السعديّة كانت تحبّه كثيرا وتتبرك به، وأمّه آمنة بنت وهب على رغم قصر عمرها أكثرت تدليله تعويضا له عن فقد أبيه، وزوجة عمّه أبي طالب فاطمة بنت أسد التي عاش في بيتها شبابه كلّه كانت تفضّله على أبنائها! يمكننا القول إن النبي محمدًا كان من أسعد الناس حظا بالنساء؛ لذا بذل الكثير من الجهد العملي والفكري والقانوني لتحسين أوضاع النساء في دولته. يظهر ذلك جليّا في خطابه المتكرر “استوصوا بالنساء خيرا”ØŒ وهو خطاب غريب على الأذن العربيّة ذلك الوقت من تاريخ العرب، إضافة إلى الآيات القرآنيّة العديدة التي تصحح وضع النساء في البيئة العربيّة آن ذاك. كانت النساء في المجتمع الجاهلي على مثل درجة الحيوان أو أقل؛ فلم يكن العربيّ القديم يقتل أطفال ماشيته، لكن بعضهم أو الكثير منهم كان يقتل بناته فور ولادتهن! على رغم هذا كانت هناك استثناءات صارخة في ذلك المجتمع المتناقض؛ سيدات شهيرات لا يشكلن إلا ومضات ضعيفة في ظلمة الليل الحالك، كانت خديجة بنت خويلد سيدة جامعة لكل الاستثناءات الموجودة في ذلك المجتمع الغريب؛ فهي من شريفات قريش، وسيدة مجتمع شهيرة، لها عقل رشيد وفهم بعيد ورأي سديد، وكانت أيضا سيدة أعمال وخبيرة بالتجارة والإدارة، وكانت توظّف الرجال في أعمالها وتجارتها، وكان النبي محمد يعمل في تجارتها! إضافة إلى ما سبق كان لديها بعض علم عن الديانات السابقة؛ فقد كان ابن عمها ورقة بن نوفل من علماء المسيحيّة لا مجرَّد متدين بها. تزوّج النبي محمد من خديجة، فكانت قرينة صالحة ومناسبة له إلى حد بعيد، وكانت نعم السند والنصير المؤازر، وبموتها فقد النبي محمد ثاني ركن من أركان حياته الشخصيّة. وتزوّج النبي بعد خديجة من نساء كثيرات، زيجات سياسيّة أو مجاملة لأصحابه، لكنّه لم يشعر قطُّ بأنّه وجد فيهن خديجه أخري!
فلسفة الملك عند رسول الله، صلى الله عليه، وسلم!
اختار الله محمد بن عبد الله نبيًّا ورسولّا من أوسط قريش نسبا طبقا لمقاييس أهله وقومه، أي ليس من أعلاها ولا أدناها؛ فلو أنّ النبي كان من أعلى قريش نسبا لكان الظّن به أنه يعاني من ترف ثقافي، كما كان يمكن وصف حال مصعب بن عمير الذي ترك الثراء والشّرف واتّبع النبي محمدًا. ولو أن النبي محمدًا كان من أقل قريش نسبا لكان الظّن به أنه تطلّع الأدنى إلى مكان الأعلى ومكانته. لقد كان رسول الله ملكا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ فله دولة (إقليم ودستور وجيش وبيت مال)، وإن تخلى طواعية وتواضعا لله عن مظاهر الملك المتعارف عليها في دنيا الناس من رياش وأبّهة لكنّه احتفظ بجوهر الملك، حتى إنه صلى -الله عليه، وسلم!- أبى أن يكون له راتب أو مخصصات مالية من أموال الناس هو أو أحد من عائلته بني هاشم، وكان أمره في الملك شورى، ولم يستخلف أحدا من بعده!
إن لكل ملك فلسفته في الملك، وله منطقه ومنهجه وأسلوبه في إدارة مملكته، وكانت فلسفة النبي محمد في الملك: هذا بيان للناس، أي تعليم وتوضيح وهداية، لأنّ الله لم يرسل رسوله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه، وسلم!- إلى الناس ليقيم دولة، بقدر ما أرسله إليهم ليعلّمهم كيف تقام الدول. وكان يحكم ليعلم الناس كيف يجب أن يكون عليه الحاكم. كان منهج النبيّ في حكمه وملكه الحق والعدل. الحق حكم تشريعي، وهو صياغة القوانين التي تضمن تكليف الناس قدر استطاعتهم فقط؛ يقول الله: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”. العدل حكم قضاني، وهو محاسبة الناس على قدر أخطائهم هم، لا أخطاء غيرهم؛ يقول الله: “لا تزر وازرة وزر أخرى”. ومن مظاهر عدله -صلى الله عليه، وسلم!- أنه عندما أراد بناء مسجده بالمدينة أبى أن تكون أرض المسجد هديّة من أصحابها، وأصرّ على شرائها بالثمن المتعارف عليه بين الناس عندئذ، لأنه “ما أخذ بسيف الحياء فهو ظلم”ØŒ كما أمر النساء المسلمات المهاجرات بإعادة أموال أزواجهن الكفار إليهم (مهورهن)!
يمكننا القول إذن، إنّ من أهم ملامح حكم النبي محمد:
1) الشورى
على رغم كونه -صلى الله عليه، وسلم!- مقدّسا أي يأتيه الوحي من السماء، كان كثيرا ما يستشير أصحابه عامة ولاسيما صفوتهم وأهل الاختصاص في الأمور كلّها؛ ذلك أن الله قال له: “وشاورهم في الأمر”!
2) الفهم الجيد لرجالة والكفاية في استخدامهم (وضع الرجل المناسب في المكان المناسب)، طبقا لمهاراته وقدراته.
3) العدالة والأمانة في توزيع الدخل، والاهتمام الشديد بالطبقة الفقيرة.
4) ترسيخ مفهوم الدولة المدنيّة وسيادة القانون والعمل بجد على تحقيق تماسك المجتمع ومحاربة العنصريّة والتمييز العرقي.
كان يملأ قلب النبي محمد شعور عميق بأنّه ضيف؛ فعندما كان طفلا مسترضعا في بني سعد كان ضيفا على أمّه من الرضاع حليمة السعديّة، وبعد أن انتقل إلى دار جدّه عبد المطّب ثم إلى دار عمّه أبي طالب لم يكن له بيت مستقل يعظّم في نفسه الإحساس بالملكيّة، حتى بعد أن تزوّج من خديجه بنت خويلد كان يسكن في دارها، وعندما هاجر إلى المدينة المنوّرة كان يسكن غرفا مثيرة للشفقة أكثر من كونها تثري الإحساس بالملكيّة! يروى أنّ عمر بن الخطاب دخل ذات يوم على رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- وهو على حصير قد أثّر في جنبه، فقال: يا رسول الله، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا! فقال رسول الله: مالي وللدنيا! ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح، وتركها! وقال: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا؛ فطوبى للغرباء!
توفي رسول الله وقد فتح الله له المدينة ومكة وأكثر اليمن وحضرموت وله مئة ألف صحابي. واستطاع النبي محمد أن ينشئ بالمدينة وجزيرة العرب دولة مكتملة الأركان، لها إقليم ودستور وقانون وجيش ونظام إداري، وإن كان هذا كله بسيط التكوين يحتاج إلى كثير من التطوير. لقد ترك النبي محمد لخلفائه من بعده الكثير مما يجب عليهم القيام به. توفّي رسول الله، وخرج الصديق أبو بكر إلى الناس، وقال: إن الله -عز، وجل!- نعي نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله، عز، وجل! قال الله -تعالى!-: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم”. إن الله عمّر محمدًا وأبقاه حتى أقام الدين وأظهر أمر الله -تعالى!- وبلّغ رسالته وجاهد في سبيل الله على ذلك، وقد ترككم على الطريق؛ فمن كان الله ربّه، فإنّ الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا وينزله إلاهًا فقد هلك إلهه! كلمة عظيمة لا يستطيعها أحد ممن شهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا أبا بكر؛ فقد كان -رضي الله عنه!- بحق رجلًا حديدًا؛ فلم تقتصر عظمة الإسلام على شخص النبي محمّد وحده، بل تعدّته إلى جيل من الرجال الذين أقبلوا على الله فأقبل الله عليهم.
صلى الله على رسوله، وسلم،
وجزاه عنا خير الجزاء،
وحفظ مصر والمصريين!

Related posts

Leave a Comment